واقع تونس لا يغطّى بغربال التدليس وأوهام التلبيس

بسم الله الرحمان الرحيم
واقع تونس لا يغطّى بغربال التدليس وأوهام التلبيس
تحوّلت بعض الأبواق إلى ملكية أكثر من الملك نفسه ، بعد أن تحوّلت من صف المعارضة إلى ملعب السلطة و انخرطت في جوقة الحزب الحاكم ، وأوكلت إلى نفسها مهمة تزييف الواقع التونسي على شاكلة خطاب النظام الذى أغرق نفسه في لغة خشبية يسخر منها العرب والأجانب ، ومع الأسف البالغ فإن هذا يصدر ممن انتمى يوما الى الصف الإسلامي وانقلب على نفسه بعد أن عجز على حيازة مكان في قيادة حركة النهضة أو وجد نفسه صوتا معزولا داخل التيار الإسلامي أو لعب على وتر الإصلاح ، فبحث لنفسه عن مكان تحت قيادة "الرئيس بن علي" ، وأصبح يصور تونس وكأنها قطعة من الجنة على الأرض ، وأنها تفوّقت على أوروبا في المنجزات الإقتصادية ومجّد الحزب الذى استحوذ على البلاد منذ الإستقلال إلى الآن وعده حامي الحمى والدين وأن الإسلام في رعاية النظام التونسي وووو…وهي سفاهات لا تليق بغير النفوس الضعيفة التى إرتكست إلى الحضيض ، ولقد وجدت في من هاجر من أجل قوت أهله ونفسه ويعود دوريا إلى تونس وليس لديه في سوق المعارضة شأن ، نقاءا يرى الواقع التونسي بغير ما يصوره قوم تعلقت همتهم بطموح زائل زعموا يوما أنهم إعترضوا على سياسات السلطة وانقلبوا يزكونها ، ولسان حالهم يلهج بـ"التوبة" لتعويض سنوات الإعتراض ، يسابقون الزمن للحصول على رضاها بماء وجوههم ، أما خصال الرجال بإبحث عنها في مضانّها 

إن الواقع التونسي لم تتغير مفرداته منذ كان الجنرال بن علي في السلطة، وإن تغيرت بعض تفاصيله ، ويمكن أن ننظر إلى ما يحدث كمثال قريب (للحزب الديمقراطي التقدمي) المعترف به ، وكيف تعامله السلطة ، وكيف تتعامل مع صحيفته "الموقف" ، وموقعه الإلكتروني الاجىء بالخارج ، ومع الكثير من أعضاءه ، ونشاطات ونشطاء الحزب الذين يعيشون في تونس ، وقد وصل الأمر بالحزب المعترف به رسميا إلى أن يعقد جلسة لجنته المركزية في الشارع بعد أن وجد في كل الأماكن في تونس أن الأوامر سبقته كي تقطع عليه الطريق للحصول على مكان عمومي بمقابل وليس بالمجّان ليعقد جلسته ، أما من لم يعترف به النظام أصلا فحاله أسوء بكثير ، فهو ممنوع من السياسة ومنهم من منعت عنه الحياة وحتى التداوي كما يحدث مع عبد اللطيف بوحجيلة الذى يطالب بالدواء من أسقامه التى سببها له النظام في سجونه المظلمة ، أما السجون فهي منازل الإسلاميين بلا منازع ، وقد خرجت آخر دفعة من السجناء القدامي وعجّت بأبناء الصحوة الإسلامية من جيل الشباب وهذه المرة تحت دعاوي "مكافحة الإرهاب" ، بعد أن كانت تحت مسميات أخرى منها "محاربة الأصولية " و"الظلامية" وغيرها من المسميات التى منعت الحجاب والتدريس في المساجد وحظر الكتاب الإسلامي وإرتكبت الجرائم المشينة ، تحت ظل الخطة الساري بها العمل إلى اليوم "خطة تجفيف ينابيع التدين" ، ولاحقت كل من يقيم شعائر الإسلام ، وإلى اليوم فإن أي معتقل يواجه بالسؤال عن الصلاة وبذلك تكون فاتحة التحقيق ، وأما الممارسات القميئة مثل التعذيب والإعتقال والإهانة والمحاكمات الظالمة والتعسف وهضم الحقوق وغيرها من الممارسات التى استحلها النظام بحق أبناء الإسلام في تونس فرحاها لم تتوقف وما تزال تحصد الأجيال ، وتلك الممارسات لا تصنعها المعارضة ولا شبكة اللانترنت ولكنها حقائق ماثلة ويومية تشوّش على "حزب آلات الطرب" ليستمر في رسم الصور المبتورة ، والتى تهتم بإنشاء طريق ولا تهتم للإنسان المقهور الذى يسير وحتى يمنع من السير فوقه ، ولم يسأل قوم أنفسهم ، ماذا بعد العودة ؟ وقبل ذلك ، بماذا خرجت وبماذا عدت ؟ ، أما تصوير العودة على أنها عودة تاريخية ، فهي بحق عودة من الأبواب الخلفية للتاريخ 

لقد أنكر الله تعالى على نفسه الظلم فقال في الحديث القدسي "يا عبادي إنّى حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا" ، وقد سوّى بين أعظم الذنوب التى لا يغفرها وهو الكفر به ، وبين الظلم حتى سمّى عز وجل الكفر نفسه بأنه ظلم عظيم ، فقال تعالى : إن الشرك لظلم عظيم

وشدّد على عدم الركون للظلمة فقال في محكم تنزيله ، في سورة هود الآية 113:"وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ" ، وأنظر إلى الجزاء فإنه مروع ، ولك أن تتحسس نار الدنيا ، والتى لا تساوي أمام نار جهنّم شيئا ، لتقيس الجزاء مع الفارق

ولكن قوم أسقطوا ذلك من حسابهم وتعلّقوا بالتملّق ، ووجدوا أن مرور الزمن و"حق القوة" التى يملكها الظالم بحكم سلطته وسيطرته على مقدرات البلاد هي الأحق من "قوة الحق" ، ولله درّ خليل الرحمان إبراهيم عليه السلام ، الذى زكّاه رب العزة في القرآن العظيم "ان ابراهيم كان أمة " ، فرغم أنه كان وحده في مواجهة قومه ، فقد ثبت على الحق الذى هو عليه ، وبذلك حق له أن يكرمه الله تعالى في الدنيا بأن أخرجه سالما من النار التى ألقي فيها ، وأن يكرمه في الآخرة بأن يكون أول من يحلّى باللباس من عباده ، وفي قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام عبرة عظيمة لمن ألقى السمع 
ان الصحوة التى شهدتها تونس لم يكن للنظام التونسي فيها فضل ، وأين فضله !!!؟ .. وقد سبق التأكيد على أن النظام لا يمكن له أن من باب العجز أن يلاحق جميع المتدينين في البلاد الذين تعج بهم المساجد وخاصة من الشباب، ولا جميع المحجبات الاتى تفوق أعدادهن عدد غير المحجبات في غير مكان من تونس ، ولكن سياسته تجاه الإسلام ثابتة لم تتغير وهي محاربة كل الظواهر الإسلامية في المجتمع ووضعها تحت المراقبة ، وقد روي لى شاب تونسي في رمضان الماضي أنه منع من السفر إلى خارج تونس وأعيد إلى مركز البوليس في مقر سكانه ليكتشف أن لديهم تقارير مفصّلة حول حضوره الصلوات في المساجد ، وقد تمكن بعد محاولات من الخروج من البلاد وهو الآن يلعن حكامها الذى لم يتغير فيهم شيء وهم أحرص على باطلهم ، ممن إستقبلهم وجعلهم مناط آماله ومظن طموحاته ، ولكن كسراب يحسبه الضمآن ماء 

ان نظام "الرئيس بن علي" لم يعد كما كان قادرا على تدجين التيار الإسلامي بالبوليس، كما أنه إستنزف الكثير من أساليبه تجاههم فلم تعد بالفاعلية التى كانت عليها في أول استخداماتها ، وسيبقى التيار الإسلامي في نظر نظام بن علي والحزب الحاكم في تونس العدو الأول الذى يستخدمه فزاعة لنيل رضى الخارج ودعمه المالي والسياسي ، وأما تعامله مع الواقع ومع توسع التيار الإسلامي فإن هناك اجراءات تكتيكية يعتمدها لتصريف الزخم الإسلامي المتصاعد في تونس ، وسيبقى التيار الإسلامي في تونس رغم كل الأساليب التى يعتمدها النظام تجاهه الرقم الصعب ، من المستحيل عليه شطبه أو الغائه أو تحييده ، وستبقى تونس عرجاء أمام العالم ما لم يعطى التيار الإسلامي حقه في النشاط وقد آن الأوان لأن يبادر الإسلاميون بفرض أشكال عمليه لبلورة مشروعهم السياسي على أرض تونس دون النظر الى ما يسمح به النظام وما يرفضه ، فالحق لا ينتظر أصحابه أن يُهدى إليهم ولكن أن ينتزعوه من بين يدي من إغتصبه 
ان ترديد مقولات طبختها "أجهزة النظام" حول "المعجزة الإقتصادية" ، لم تعد تغري ولا تنطلي على أحد إلا من في نفسه هنة، و من يراجع الديون التونسية والمال السياسي الذى يرهن النظام به تونس ، وحجم البطالة وارتفاع الأسعار والتضخم وعجز الكثير من المواد التونسية على المنافسة خاصة مع المنتجات الأوروبية وغيرها من مظاهر القصور في الإقتصاد التونسي ، سيجد أنها لا تغطّى بأرقام مشكوك فيها يتلقفها سذّج للترويج لها ، وإذا كان ما يتملقون به هؤلاء صحيح فليستقروا في بلد الرغد والهناء ، بدل العودة على عجل إلى أوروبا "الأقل تقدما“… ولكن في نفوسهم ريبة ، فقد يلدغهم غدر النظام فيبقون في مجاهل 7 نوفمبر خلف قضبان موحشة وزبانية لا ترحم ، وينقطعون على منابر "الكيبورد" وحينها ستنوح عليهم "المراهقة الإفتراضية" في السياسة ، وهناك سيتعلمون ثقافة أخرى ، مثل لغة "الصُبة" و "المشي في الزوز" و "الحساب" و "البلوار" ، وستتحول المعاملة المبرمجة في المطار إلى نكد من زبانية يعملون بالجراية والإمتيازات ليحولوا حياتهم إلى حجيم أرضي خالص 
ماذا تغيّر في النظام !!! كي يهرول البعض الى أحضانه !!!! … لا شيء ، ولكن ما تغير هم الذين غيروا من أنفسهم بلا موجب ولا مسوغ ، وقد فعلها قبلهم كثر ، وشكروا بن علي وزوجته على الشاشات وقالوا كلاما لا يجرى إلا على لسان حزبي عتيق ، ولكن ماذا كان الحصاد!!!! … لا شيء غير الإغتراف من بركة المذلة المجانية 
ان عدمية النظام تجاه الجميع لا تحتاج إلى دليل ، وقد أعطى خروج المساجين السياسيين الأخير بعد 18 سنة من السجن درسا مضافا في طبيعة النظام وتعاطيه مع خصومه، فقد كان إطلاق سراحهم بعد كل هذه المدة الثقيلة باردا جافا كما وصفه أحد الإخوة المسرحين (رضا البوكادي) ، وليس فيه أي رسالة للإنفتاح السياسي كما يحتمل الأمر وقد صادق على ذلك أحد أبواق النظام بقوله أن عملية الإفراج ليس لها طابع سياسي ، وعلى شاكلة هذا التعاطي تسير الأمور في بلادنا 

ان الأماني والمشاعر الجياشة المتفلة لا يمكن أن تصنع منجزا مع نظام بن علي ، الذى سحقت آلته الأمنية آلاف من خيرة شباب وبنات تونس ، وحولتهم على هامش الحياة وأثخنت فيهم المآسى والعذابات ، وقتلت وسجنت وشردت وفعلت فيهم ما يرق له الصخر ولا يرق له زبانية قدت قلوبهم في مراكز التأهيل الرسمي ليكونوا شياطين من الإنس 
أما الشهادات المدلّسة التى يمنحها اليوم البعض لنظام بن علي والمغموسة بالهوس الذاتي والطموح الى الشهرة والقيادة دون الأهلية ، ليس له ما يقدم غير النعيق على "لوحات المفاتيح" بين يدي سرعة قصوى لشبكة الأنترنت لا يحلم بها مواطن في تونس إلى آخر هذا القرن ، وليلتفت وراء ظهره وليحصي من يسير على خطاه ليعلم أنه يرمي نفسه في واد سحيق من الأوهام لن تزيدها مجاملة احدهم (…) غير المزيد من الإغراق في الوهم الذى تبدده الأيام … وان كان بعض الناس لا يأبه فقد باع هواه لمن سواه واصبح يبارك العلمانيين ويبغض الإسلاميين ويتزلف للسلطة واذنابها الذين يجرى الكذب على ألسنتهم كما يجرى الماء والطعام ، ورغم ذلك فقد عقد فيهم حسن النية وهي لا تخرج عن كونها تزلف تأباه النفس الكريمة ، أو سذاجة تسلى بها قطعان النظام وألسنة السوء المأجورة . وسيكتبون غزيرا ليتباكو وليس لهم غير ذلك 

أخيرا…ويبقى السؤال ، ماذا بعد العودة ، ولا عصفور في اليد غير جواز يجدد في أقرب سفارة ؟؟؟

Cet article a été publié dans Non classé. Ajoutez ce permalien à vos favoris.

Laisser un commentaire